مع الكتاب كلَّ يوم- تأملات يومية من الكتاب المقدس- الكتاب الثالثSample

صَدِّقوني، مِنَ الخَيرِ لكُم أنْ أذهَبَ(يوحنّا16: 5-7)

~النص البيبلي~

5أمَّا الآنَ فأنا ذاهِبٌ إلى الذي أرسَلَني، ولا أحَدَ مِنكُم يَسألُني:إلى أينَ أنتَ ذاهِبٌ؟6والآنَ قُلتُ لكُم، فَمَلأَ الحُزنُ قُلوبَكُم.7صَدِّقوني، مِنَ الخَيرِ لكُم أنْ أذهَبَ، فإنْ كُنتُ لا أذهَبُ لا يَجيئُكُمُ المُعزِّي.أمَّا إذا ذَهَبتُ فأُرسِلُهُ إلَيكُم.

~شرح النص~

لا يزال التلاميذ غارقين في بؤرة من الحزن الشديد على الرغم من طمأنة يسوع المتكرّرة بأنّ رحيله إلى الآب يصبّ في صالحهم؛ ساد عليهم الصمت وكأنّ بهم يفصلون ذاتهم عن الواقع المرير المُحدق بهم عاجزين تمامًا عن تبرير مجرى الأحداث.في الجتسمانيّة، استسلم التلاميذ إلى النوم بسبب حزنهم القاهر وعجزهم عن استدراك الموقف الراهن(لوقا22: 45)؛ والتزموا الصمت وحاروا بما يجيبون(مرقس14: 40).النتيجة إذًا هي نفسها، فما ينقله يوحنّا إلى جانب تصويره للتجربة القاسية التي ألمّت بالتلاميذ قُبيل تسليم معلّمهم إلى الموت هو أيضًا نقله لواقع الجماعة المسيحيّة الأولى التي تألّمت كثيرًا بسبب رفض المجامع اليهوديّة لها وتهميشها لإيمانها.بعد موت وقيامة المسيح، حمل المسيحيّون الأوائل راية البشارة بكلّ حماسة وأمانة ولكنّهم سرعان ما اصطدموا بموقف اليهود الذين عمدوا إلى التنكيل بهم حتّى الملاحقة والقتل، فكان ذلك بمثابة صدمة قويّة للجماعة الناشئة التي لم تفهم عجز محيطها عن إدراك أبعاد البشرى التي تحملها إليه.الإنجيليّ إذًا يعيد على مسامع معاصريه والأجيال القادمة بأنّ النجاح الحقيقيّ غير مرهون بقبول العالم للحقّ(يوحنّا14: 17)إنّما بإيمانهم من دون أيّ منازع بأنّ يسوع الغائب عن العيون هو في حضن الآب(16: 5)؛ وبعد تحديده في يوحنّا14: 26بأنّ الآب هو مرسل الروح القدس، نجده في يوحنّا16: 7، يسند هذا الدور إلى يسوع نفسه، ذلك أنّه لا فرق بين الآب والابن لأنّ كلّ ما يعمله الآب يعمل مثله الابن(5: 19)وكلّ ما للآب هو أيضًا للابن(16: 15)، والجماعة المسيحيّة أينما حلّـت لن تنتصر إلاّ من خلال تمسّكها بهذه الحقيقة من دون أي مساومة أو محاباة.

~تأمل في النص~

الحزن عمومًا هو اعتراض على مجرى الأمور، وهو موقف بشريّ يتكرّر في كلّ مرّة نبحث فيها عن إشارة من السماء ولا نجدها، فيطرق القنوط بابَنا ونغفل عن أنّ الربّ يعمل فينا ومن حولنا.يعمل فينا لتنمية الإنسان الروحانيّ وإنضاجنا في الإيمان لنتقوّى ونخوض غمار التجارب متسلّحين فقط بالروح المعزّي الذي يعمل لخير الذين يحبّون الله.يعمل أيضًا من حولنا فيتدخّل من باب مناجاتنا له في الأحداث التي تُحفّز سعينا الروحيّ لنيل الملكوت ويستخدمنا في غضون ذلك لاجتذاب تلاميذ جدد يكشف لهم من خلالنا عن سرّ محبّته ويضمّهم إلى الحظيرة الجامعة التي تعرف صوته وتتبعه.فما بالنا نشرّع قلوبنا للغمّ والهمّ إذ نفتقد الله في علامةٍ حسّيّة نرجوها وننسى بأنّ يسوع لم يذهب قبل أن يؤكّد لنا بأنّه لن يتركنا لذاتنا بل سيؤيّدنا بروحه المعزّي؛ إنّ نجاحنا سيبقى دومًا مرهونًا بإيماننا المطلق بحقيقة الآب والابن والروح القدس ووحدتهم في الجوهر وبتجسيدنا لأبعاد هذه الحقيقة بين إخوتنا البشر.

~الفكرة الرئيسة~

لا يتكّل الإنسان المسيحيّ على البراهين الحسّيّة لحضور الله ليستمدّ فرحه وطمأنينته بل من إيمانه الجذريّ بحقيقة المخلّص الكائن في حضن الآب ومن تدخّله في حياته بواسطة المعزّي.

~صلاة~

حرّرني يا ربّ من بحثي عن ظواهر حسّيّة لعيش فرح حضورك وهبني أن أتنعّم بحلول روحك المعزّي في داخلي بما في ذلك لخير الآخرين وخيري.آمين.

~قرار اليوم~