مع الكتاب كل يوم - الكتاب الثانيSample

~ شرح النص ~

“لـمّا جاء الوقت”، أفصح يسوع عن شهوة كانت تختلج في داخله لتناول العشاء الفصحيّ مع تلاميذه، في هذه اللّيلة سيتمّ الانتقال من عهد إلى آخر يؤسّس لحضورٍ دائمٍ وفعليٍّ للربّ في وسط أحبّائه. ينفرد لوقا بذكر الكأس الأولى (آ 17) وهي ترمز إلى نمط الاحتفال بالفصح اليهوديّ حيث كان يتمّ تداول أربع كؤوس بشكل تراتبيّ يحمل رمزيّة تُذكِّر بأحداث الخروج من مصر. يشير يسوع إلى أنّها المرّة الأخيرة التي يتناول فيها الفصح ويشرب من عصير الكرمة مع أحبّائه كونه سيغادرهم ليتمّم “كلّ ما كتبه الأنبياء في ابن الإنسان” (لو 18: 31). في هذا العشاء التأسيسيّ، يُناول يسوع تلاميذه الخبز والخمر على أنّهما جسده ودمه اللّذان يُبذلان من أجل أحبّائه في عهد جديد يقيمه الله مع شعبه يمنحهم به الخلاص الأبديّ في تحقيق للوعود المسيحانيّة التي كان الشعب اليهوديّ ينتظرها إبّان الفصح من سنة إلى أخرى. “ومع ذلك” سيضرب يهوذا بعرض الحائط هذه الدعوة إلى الملكوت وينكفئ إلى مهمّته الشيطانيّة على الرغم من كلّ التحذيرات (آ 22). ليست النبوءات السابقة مصيرًا محتّمًا فُرض على أفرادٍ مسلوبيّ الإرادة (لو 18: 31؛ 22: 22)، وقد جعل لوقا متفرّدًا عن سائر الإيزائيّين نبأ خيانة يهوذا بعد عطيّة الخبز والخمر مشيرًا بذلك إلى فرصة أخيرة أعطاها يسوع إلى تلميذه لإشراكه في الدعوة العامّة، ومع ذلك إختار يهوذا أن يمضي إلى تحقيق شهوته الأرضيّة على حساب خلاصه السماويّ.

~ تأمل في النص ~

إنّ الاهتمام الشديد الذي أولاه الربّ للقيام بالتحضيرات للوليمة الأخيرة التي سيتشاركها مع تلاميذه يدفعنا إلى التساؤل حول أهميّة المائدة كحدث اختاره يسوع لرسم ذبيحة الإفخارستيّا وتكريس حضوره الدائم وسط أحبّائه. ما الذي دفع بالمسيح للإستعانة بأطعمة بسيطة هي الخبز والخمر في عمله التأسيسيّ؟ تشكّل المائدة مناسبة إعتياديّة لِلمّ شمل العائلة وإحياء الروابط الإجتماعيّة، فتقوّي الأوصال وتخلق اتّحادًا ميمونًا بين المشاركين في الطعام. كان العشاء الأخير مناسبة هدف فيها المسيح إلى تعميق أواصر المحبّة بين التلاميذ وإزاحة كلّ ما من شأنه عرقلة الوحدة فيما بينهم بما فيهم يهوذا. وفي موعظته على الجبل أشار أيضًا يسوع إلى هذا الرابط الشرطيّ بين المحبّة وخبز التقدمة داعيًا كلّ من يقرّب قربانًا ليبادر بمصالحة أخيه أوّلاً (مت 5: 24). من هنا تبقى مشاركتنا في سرّ الإفخارستيّا نوعًا من الممارسات الشعائريّة إن لم تخلق فينا هذا الوعي الكامل لأهميّة الحفاظ على رابط الوحدة في الجماعة الكنسيّة وعيش وصيّة المحبّة إلى حدود بذل الذات على مثال تضحية يسوع على الصليب.

~ الفكرة الرئيسة ~

شكّلت وليمة العشاء الأخير بالدرجة الأولى دعوة إلى التلاميذ الاثني عشر ومن بينهم يهوذا لعيش وصيّة المحبّة، ونحن إلى اليوم كلّما اجتمعنا لإحياء هذا السرّ علينا أن نضع نصب أعيننا دعوة المسيح هذه وإلاّ كان قرباننا باطلاً.

~ صلاة ~

نجّني يا إلهي من الدينونة التي تطالني كلّما شاركت في سرّ الذبيحة تلبيةً لواجب ديني وبتناسٍ كلّي لواجب المحبّة تجاه صديقي وعدوّي على حدّ سواء. آمين.

~ قرار اليوم ~