مع الكتاب كلَّ يوم- تأملات يومية من الكتاب المقدس- الكتاب الثالثSample

قدّسهم في الحقّ(يوحنّا17: 17-19)

~النص البيبلي~

17قَدِّسْهُم في الحقِّ لأنَّ كلامَكَ حقٌّ.18أنا أرسلتُهُم إلى العالَمِ كما أرسَلتَني إلى العالَمِ.19مِنْ أجلِهِم أُقدِّسُ نَفسي حتّى يتَقَدَّسوا هُم أيضًا في الحقِّ.

~شرح النص~

يؤكّد لنا هذا الجزء من الصلاة المرفوعة بأنّ يسوع لم يدْعُ تلاميذه لهجر العالم والتخلّي عنه، بل لنبذ مبادئه المنحرفة ومنطقه البشريّ، وهذا ما قصده في إعلانه عن عدم انتمائهم إلى العالم(يوحنّا17: 16).والدليل القاطع على محبّة المسيح العميقة للعالم الذي يتركه مع حلول الساعة نجده في عمق الصلاة التي يرفعها إلى الآب القدّوس(17: 11)، حيث يطلب منه تقديس تلاميذه لا لعزلهم عن الخارج بل على عكس ذلك تمامًا لإرسالهم في قلب العالم(آية18)حتّى يواصلوا عمله ويجتذبوا إلى حضن الآب كلّ نفس متعطّشةٍ إلى الخلاص.في العهد القديم كما في العهد الجديد، لا تنفصل عمليّة الإرسال عن عمليّة التقديس بل بالأحرى لا يتحقّق فعل الإرسال الإلهيّ إلاّ مع اتّشاح المُرسَل بثوب البرارة والقداسة التي لا يعطيها غير الله(خروج31: 13؛ لاويين19: 2).في صيغته اليونانيّة، يحمل الفعل“قدّس”أيضًا معنى الفرز والتكريس للخدمة؛ في أيّ حال، يجب أن يتحلّى خادم الله وممثّله على الأرض بالصلاح وأن ينضح بالبرّ الذي لا يستمدّه إلاّ من مُرسِلِه.ويصبّ تقديس التلاميذ في الخانة نفسها ويستدعي تمسّكهم بالكلمة الإلهيّة التي بلّغهم إيّاها الابن من عند الآب(17: 14)والثبات فيها وعيشها.هذه الكلمة تعهّدها الابن المتجسّد وأظهرها في أقواله وأفعاله وسيتشبّث بها حتّى اللّحظة الأخيرة التي سيغفر فيها لصالبيه قبل أن يُسلم فيها الروح.فمن أجل محبّته الفائقة لتلاميذه هو يدرك بأنّ تقديسهم بالحق يستوجب عليه تقديس نفسه(آية19)، أي عيش وصيّة المحبّة والتواضع والطاعة حتّى الموتِ، موتِه على الصَّليبِ.

~تأمل في النص~

لا تتحقّق كامل“مسيحيّتنا”إنْ مررنا في العالم مرور الكرام من دون أن نشهد للنور الذي اختبرناه في علاقتنا الشخصيّة مع المسيح.يقول بولس الرسول: “التَّبشيرَ ضَرورَةٌ فُرِضَتْ علَيَّ، والوَيلُ لي إنْ كُنتُ لا أُبشِّرُ” (1كورنثوس9: 16)؛ ولكنّ بولس نفسه لم يتحوّل إلى سفير الأمم قبل أن يتحوّل داخليًّا إلى بشيرٍ بحسب قلب المسيح، فمرّ بخبرة الصحراء وتأمّل مطوّلاً في حدث ظهور الربّ على طريق دمشق وأعاد قراءة الكتب وتأمّل فيها وتتلمذ للكلمة.فإنْ كان رائد البشارة إلى الوثنيّين قد احتاج إلى مرحلة من السعي الذاتي لترسيخ الحقّ فيه والتدرّب على الخضوع لمشيئة الربّ، فما بالنا نحن نهرع بحماسة طفوليّة ننصّب ذواتنا حرّاسًا للكلمة ومدافعين عن المسيح ومبشرّين في حينه وفي غير حينه؟ إنّ المجهود الذي نصرفه في إعداد ذاتنا وتحويل داخليّتنا لنتحوّل إلى“مسيح آخر”ليس وقتًا مهدورًا، وإنّ انتظارنا لإشارة سماويّة قبل شروعنا في خدمة الرسالة هو ضمانة لعدم تعثّرنا لأنّ الله يقودنا صوب النفوس الباحثة والقلوب المتعطّشة ويهبنا من هم له(يوحنّا17: 6)، لنهبهم بمجّانيّة ما أخذناه نحن بمجّانيّة(متى10: 8).نُفسح المجال للمسيح أوّلاً كي يقدّس نفسنا حتّى يتقدّسوا هم أيضًا من باب الكلمة التي تسلّمناها بذاتنا وأسكنّاها في عمق أعماقنا، وتعهّدنا عيشها فتعهّدت خلاصنا.

~الفكرة الرئيسة~

الإرسال والتقديس الإلهيّين هما قطبا البشارة لا يقوم أحدهما من دون الآخر وإلاّ تحوّل المُرسَل إلى مبشّر بذاته وبقناعاته الشخصيّة وابتعد عن مقاصد الله في خلقه.

~صلاة~

اجذبْني يا إلهيّ إلى قلبك القدّوس لأتطهّر من كلّ ما من شأنه أن يشوّه صورتك فيّ وأهّلني لأكون مُرسلاً أمينًا بحسب مشيئتك.آمين.

~قرار اليوم~