مع الكتاب كل يوم - الكتاب الثانيSample

~شرح النص ~

شكّلت عمليّة القبض على يسوع مناسبةً استغلّها بيلاطس ليحقّق هدفًا سياسيًّا نجح فيه بعقد مصالحة مع هيرودس الذي جاء ليزور أورشليم إبّان عيد الفصح. لا ندري تمامًا أسباب الخلاف الذي كان قائمًا والذي قد يكون مردّه أحداث مجزرة الجليليّين التي افتعلها بيلاطس (لو 1: 13)، غير أنّ الجماعة المسيحيّة الأولى ذكرت ظروف هذا التحالف الغريب بين الفعّاليّتين السياسيّتين في أوّل ترنيمة مسجّلة لها (أع 4: 27). يبدو أنّ بيلاطس كان على دراية بتشوّق هيرودس لرؤية يسوع (لو 23: 8؛ 9: 9) وحينما علم بأصل يسوع الجليليّ انتهزها فرصة لإعادة المياه إلى مجاريها مع هيرودس، فسلّمه يسوع ليحكم بأمره على اعتبار أنّه منتمٍ إلى ولايته مظهرًا بذلك احترامه لنطاق سلطة الحاكم الجليليّ. يضعنا الإنجيليّ لوقا في قلب هذا الحدث أمام معادلة خفيّة تحكم العلاقات بين البشر في ظلّ الحضور الإلهيّ؛ حتّى ولو عجز الحاكمان الفلسطينيّان عن الإيمان بالمخلِّص الإلهيّ، فإنّ عدم إدانتهما له واعترافيهما الصريحين ببراءته (23: 4، 15) سمح للسلام الآتي من يسوع وحده أن يحلّ بينهما (لو 19: 38). أمام بشريّة هيرودس ومحاولته استدراج يسوع إلى عرض مسرحيّ (آ 8)، ظلّ يسوع صامتًا وبقي سيّد الموقف. وعلى الرغم من ألاعيب الاستهزاء والإهانات التي وجّهها هيرودس وجنده إلى شخص المسيح، لم يتبنَّ هذا الحاكم موقف عظماء اليهود بل آزر موقف بيلاطس في تبرئة يسوع وكأنّه أدرك على عكس اليهود بأنّ مُلك المسيح الحقيقيّ لا يهدّد ملكه بشيء ولا ينافسه بتاتًا على نفوذه الأرضيّة.

~تأمل في النص ~

بين هيرودس وبيلاطس عمليّة أخذ القرار بشأن يسوع هي مسألة رمي حجر قد يرتدّ على من يقذفه وابلاً من الحجارة. إنّه لأمر شائع بين المسؤولين في السلطة والزعماء السياسيّين أن يتنحّوا عن اتّخاذ قرار معيّن قد يهدّد شعبيّتهم ومصالحهم العامّة والخاصّة. في علاقاتنا البشريّة عمومًا، نتخلّى عن محبّتنا للآخر واهتمامنا به عندما نشعر بأنّ أنانيّتنا مهدّدة وحدودنا مُخترقة. صحيح أنّ خطوة بيلاطس ساهمت في إعادة المياه إلى مجاريها بين الحاكمين ولكنّ هيرودس تنصّل بدوره من الحكم على يسوع واكتفى بمسرحيّة هزليّة بعدما عجز عن إخضاع يسوع لنزوته باجتراح آية. حينما تمنّع يسوع عن إجابة هيرودس بشيء (آ 9)، تحرّك كبرياؤه حكمًا وأسلمه إلى السخرية والإستهزاء. بوصول المسيح بين يديه، كانت الفرصة مُتاحة أمام هيرودس للتكفير عن كونه مذنبًا بقطع رأس يوحنّا؛ لو إنّه اتّضع أمام قلّة فهمه لحقيقة المخلّص ولم يلجأ إلى ما يرضي كبرياءه أمام عامّة اليهود لكان أعتق نفسه ممّا اقترفه سابقًا بحقّ يوحنّا بسبب نزوة.

~الفكرة الرئيسة ~

أمام ما يهدّد مصالحنا ومآربنا نتنصّل أحيانًا من عمليّة أخذ القرار ونلعب دور المتفرّج على حساب التضحية بفهم الحقيقة التي تؤول إلى خير نفوسنا.

~صلاة ~

أَعتقني يا ربّ من خطيئة عدم أخذ المواقف التي ترتضيها للخير العامّ ظنًّا منّي بأنّ الحياديّة تعفيني من اقتراف الذنوب. آمين.

~قرار اليوم ~