(مع الكتاب كل يوم - تأملات يوميّة من الكتاب المقدس (الكتاب الأولMfano

شرح النص

يبدأ أبراهيم مسيرته مع الربّ معتقدًا أنّه هو من اكتشف هذا الإله الجديد وأنّه هو وحده تجاوب معه. يعتقد بالتالي أنّ هذا الإله هو خاصّته، لذلك نجد أنّ اليهود كانوا ينادون الربّ قائلين: "يا إله إبراهيم واسحق ويعقوب"، أي إلههم الخاص؛ ليس إله الآخرين، ليس إله الشعوب الوثنيّة. هكذا فهم اليهود بادئ الأمر مسألة أنّهم "شعب الله المختار"، أي هم وحدهم وليس سواهم.

ولكنّ الربّ هو أب جميع البشر، وهو دعا إبراهيم ليُصلَّ من خلاله إلى كلّ إنسان. هذا ما قاله له صراحةً وهو يدعوه: "تتبارك بك جميع عشائر الأرض" (تك 12 : 3). هذا هو عمق المعنى اللاهوتي لكلّ دعوة. يرفض الله أن يحصره أحد وأن يحتكره لنفسه. هو يعمل دومًا في قلوب جميع البشر، تمامًا كما فعل مع إبراهيم يوم دعاه. ولكي يفهم إبراهيم مقاصد الله، يمنحه فرصة اللقاء بملكيصادق.

تظهر هذه الشخصيّة الغامضة بشكل فجائيّ، بدون أي سابق إنذار. لا نعرف تمامًا من هو ولا كيف تعرّف على الله؛ فهو "كاهن الله العليّ". لقد قدّم إبراهيم له العشور. قوّة رمزّية هذا النصّ هو أنّ الربّ يدعو كلّ الناس. وهو عمل في قلب هذا الرجل تمامًا كما فعل مع إبراهيم. الله هو إله الجميع. هو أب بكلّ ما للكلمة من معنى.

يدعونا الله من خلال ملكيصادق إلى التأمّل بصدقيّة إيماننا وبمدى التزامنا بما دعانا الله إليه وبالرسالة التي سلّمها لنا، لحمل الرسالة إلى جميع الأمم.

تأمل في النص

إلى جانب الإيمان الذي يتحلّى به ملكيصادق والانفتاح على البعد المسكونيّ، يحمل لنا أيضًا رموز مكمّلة تعمّق فهمنا للإيمان. فهذا الرجل يحمل اسم ملكيصادق، أي الملك الصادق. فالإيمان يتأسس على الصدق. لا يمكن أن نقيم علاقة مع الله يشوبها أي غشّ أو مصلحة دنيئة. فالله فاحص القلوب والكلى ولا يخفى عليه أي شيء. وهو لا يقبل منّا أنصاف الحلول: "فليكن كلامكم نعم نعم ولا ولا وكلّ ما زاد عن ذلك فهو من الشرير". يتعلّم إبراهيم الصدق من ملكيصادق. يتعلّم أن يتبع الله ويتمّم مشيئته، لا أن يحتكره لنفسه، كأنّه الصيد الثمين.

من ناحية ثانية، ملكيصادق هو ملك شاليم، التي هي أورشليم؛ ومعنى اسمها "مملكة السلام" . فالإيمان هو عربون السلام في الأرض وبين جميع البشر. فالمؤمن لا يمكنه أن يرى في أي إنسان سوى أخ له، ابن آدم وحوّاء، أبوينا الأوّلين، وابن الله أبونا. من هنا يفهم إبراهيم أن احتكاره لله الذي يفصله عن سائر البشر يناقض عمق دعوته. يعلّمه الله المحبّة إذ يرى بعينيه كيف هي مزروعة في قلب رجل ليس يهوديًّا، رجل من سائر الأمم.

الفكرة الرئيسة

الله هو أب الجميع، يريد خلاص الجميع. وكلّ مؤمن هو شريك الله في تحقيق هذا المشروع الخلاصيّ.

صلاة

افتح يا ربّ اذهاننا وعيوننا لنفهم وندرك ما هي مشيئتك في هذا العالم، لنفهم أنّك تحبّ الجميع وتتأّلم جدًّا أمام كلّ إنسان يخسر خلاصه. اجعلنا نشاركك هذا الألم المقدّس بأن نفتح قلوبنا لإخوتنا الخطأة والملحدين. وأن نسعى جاهدين إلى نشر الإيمان في أربعة أقطار العالم. اجعلنا نحمل للناس هذه البشرى السارة أنّ السلام الحقيقيّ الذي يصبوا إليه جميع البشر. لا يحقّقه إلا الربّ.

خذ قرارًا لهذا اليوم