(مع الكتاب كل يوم - تأملات يوميّة من الكتاب المقدس (الكتاب الأولMfano

شرح النص
يتوقّع القارئ أنّ إبراهيم لن يقبل التخلّي عن ابنه، خاصّةً أنّ اسحق هو ابن الوعد، أي هو مشروع إلهيّ أكثر ممّا هو مشروع بشريّ. ولكنّ إبراهيم يعلم تمامًا أنّ هذا الصبيّ هو عطيّة من الله، لم يكن هناك أيّ مجال بشريّ أن ينجب إبراهيم ولدًا من سارة. لذلك لا يمكن أن يرفض ردّه لمن وهبه إيّاه مجّانًا. من الطبيعيّ أنّ إبراهيم لا يفهم ما هو قصد الله من كلّ ما يجري. ليس سهلًا أن يقبل ولا أن ينطلق في مسيرة الموت هذه. بالرغم من كلّ هذا الألم نجده ينطلق باكرًا؛ فلم الإسراع؟ طبعًا يخشى إبراهيم أن تراه سارة، فماذا سيقول لها؟ كيف يمكنه أن يشرح لها مقصد الله، خاصّةً أنّه هو الموكل بالتبشير بمحبة الله للبشر! وهو الآن يختبر بعمق غياب هذه المحبّة.
يمكننا القول أيضًا أنّ إبراهيم ينطلق باكرًا لأنّه لم ينم تلك الليلة. لم يعد يفهم مقاصد الله. ظهر له الله أولًا على انّه إله الحياة، ذلك الذي يخرج ولدًا من رحم سارة الميت. ولكنّه الأن يظهر كإله للموت، فهو يطلب من الأب أن يقتل الولد بيده! تغيرت كلّ نظرة إبراهيم للأمور. أو بالأحرى، هو لم يعد يفهم على الله. أو قد يشكّ أنّه أساء الفهم على الله، لم يسمع جيّدًا ما قاله له. انتظر إبراهيم بكلّ جوارحه أن يغيّر الله رأيه، أن يرأف بحالة الرجل العجوز أن يقبل به هو بدل ابنه. ولما طال الانتظار دون أن يحدث شيء، فهم إبراهيم أنّ لا بدّ من الانطلاق، ففعل. أطاع إبراهيم رغم الكمّ الهائل من الألم. وهذه هي قوّة إيمان إبراهيم، أنّه، حين لم يفهم، لم يترك نفسه لردّات فعل هوجاء، بل أقرّ بوجوب اّتباع ما يأمر الله به. لأنّ الله لا بدّ أن يطاع، فهو مصدر كلّ شيء الكلّ موضوع بين يديه.
تأمل في النص
في مسيرتنا الإيمانيّة، لا بل في مجريات حياتنا اليوميّة أيضًا نمرّ بليل مظلم لا نرى فيه وجه الله المحبّب ولا نعود نسمع صوته العذب، يعزّينا. نشعر أنّنا متروكون، لا بل مضروبون من أبينا السماويّ. قد نصل إلى وضع يدلّنا فيه كلّ شيء على أنّ الله لم يعد يحبّنا، بل يريد تدميرنا. هذه اللحظات القاسية، تبدو في عيون جميع الناس أنّها نقمة ما بعدها نقمة. ولكن أنا مدعوّ، على مثال أبي إبراهيم، أن أفتح عين الإيمان التي تتخطّى العقل والمنطق لتنفتح على أفق الثقة المطلقة بالذي خلق كلّ شيء بحكمة ووضعه في خدمتي أنا الإنسان.
وعلينا أن نعي وأن نقبل أنّ كلّ مسيرة نحو الكمال لها صليبها. لا يرتقي الإنسان بدون ألم وجهد وعناء. وهذا الألم ليس تعذيبًا إلهيًّا غشيمًا، بل هو ألم الولادة. ألم أن يتخطّى الإنسان حدود صغره نحو آفاق أوسع من النضوج والترقّي. كلّما انطلقنا أسرع، نحو تسليم ذاتنا بثقة بين يديّ الله، كلما أسرعنا في إنهاء هذه المسيرة للوصول إلى البرّ الذي يريده الله لنا. فلا نتخاذلنّ إذًا تاركين أنفسنا للخوف والتردّد يضيعان الوقت والجهد، بل نشدُّ أوساطنا للسير في طريق الربّ التي، وإنّ مرّت في الجلجلة إلّا أنّها تقودنا نحو فجر القيامة.
الفكرة الرئيسة
المسيرة مع الله هي حمل للصليب ولكنّها مسيرة نموّ وترقّي، وحده الله يعرف كيف يرسم خطواتها.
صلاة
أعطني يا ربّ الشجاعة الكافية لأقول لك نعم حين تشدّني كلّ الأمور إلى رفض مشروعك.
لا تدع الخوف يغلب إيمانيّ ولا تدع العقل يحدّني في منطق بشريّ، بل افتح قلبي على سماواتك الواسعة.
خذ قرارًا لهذا اليوم
Andiko
Kuhusu Mpango huu

"مع الكتاب كل يوم" معد لقارئ مفكر يعتمد على العقلانية في فهم الأمور دون التخلي عن الايمان الذي لا يعمل بالعقل بل بالروح لأن الايمان ينتمي الى عالم أسمى من عالم العقل. هدف التأملات أن تساعد القارئ على التغذي بكلمة الله. يحتوي كل تأمل على مقطع من الكتاب المقدس، وشرح للنص، وفكرة رئيسة، وصلاة، وقرار يومي.
More