(مع الكتاب كل يوم - تأملات يوميّة من الكتاب المقدس (الكتاب الأولနမူနာ

شرح النص

شفاء أعمى بيت صيدا فريد من نوعِه في الأناجيل. إنَّه الشفاء الوحيد الذي يتمُّ على مرحلَتَين، وكأنَّ يسوع لم ينجح في تتميم الشفاء من المرَّة الأولى. أضف إلى ذلك أنَّه بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية لا نرى أيَّ تطوُّر في إيمان الأعمى ولا في الأحداث.

تجدر الإشارة، من جهة أخرى، أنَّ نصوصًا قليلة جدًّا من إنجيل مرقس لا ترد عند الإنجيليِّين الآخرين؛ وهذا الشفاء هو من هذه النصوص. من هنا استنتج الْمُفسِّرون أنَّ هناك ارتباطًا بين مجمَل مضمون إنجيل مرقس وبين هذا الشفاء على مرحلتَين. في الواقع، يظهر في هذا الشفاء ثلاث محطَّات: محطَّة عمى كامل، ومحطَّة رؤية ضبابيَّة، ومحطَّة رؤية واضحة. ويُمكننا أن نبني إنجيل مرقس بأكلمه بحسب هذه المحطَّات، وهذا الشفاء يتوسَّط الإنجيل. قَبله لا أحد يكتشف هوَّية يسوع؛ بعدَه يرى بطرس والتلاميذ، على طريقتهم الضبابيَّة، أنَّ يسوع هو المسيح. ينتهي الإنجيل بكشف هويَّة يسوع الحقيقيَّة (المسيح ابن الله). بمعنى آخر، المراحل التي مرَّ بها أعمى بيت صيدا هي المحطَّات التي عاشها التلاميذ في اكتشاف سرِّ يسوع المسيحانيّ.

هناك رمزيَّة أخرى لطريقة شفاء الأعمى على مرحلتَين. تذكِّرنا المرحلة الأولى، حيث يسوع يتفل في عينَي الأعمى، بما قام به الله الخالق في مطلع سفر التكوين. والمرحلة الثانية، مرحلة وَضع الأيدي على عينَيه، تنقلنا من الخلق الأوَّل إلى الخلق الثاني برمزيَّة الأسرار.

تأمل في النص

لا تنحصر عجائب يسوع في العالم اليهوديّ، تنفتح أيضًا على العالم الوثنيّ. توسَّلُوا إلى يسوع أنْ يشفي الأعمى. ضروريّ التركيز على أعمال يسوع الخلاصيّة، على شفاءاته التي تطاول كلّ إنسان، لأنَّ يسوع يعرف حاجاتنا كلّها. ولكن علينا ألّا ننسى أنّ لنا دورًا مزدوجًا في إطار ما يقوم به يسوع: إن كنّا مرضى علينا أن نقبل بأن نُحمل إلى يسوع؛ وإن رأينا مريضًا أن نعرف كيف نوصله إلى يسوع.

صحيح أنَّ الجماعة توسَّلت إلى يسوع ليشفي الأعمى. لكنَّ يسوع اقتاده إلى خارج القرية؛ وبعد شفائه طلب منه ألَّا يدخل القرية، بل أن يذهب إلى بيته. يُشير هذان الأمران إلى البُعدَين الأساسيَّين في حياة كلِّ مؤمن مع الربّ: بُعد جماعيّ، وبُعد شخصيّ. هذا ما يَخلق التوازن في حياة المؤمن.

على المستوى الروحيّ، تُشير المرحلتان في شفاء الأعمى إلى النموّ الذي يرافق حياة المؤمن مع الربّ. لا أحد يَصل إلى ملء العلاقة القويَّة مع الربّ بين ليلة وضحاها. فالأساسيّ هو أنْ تبقى حياة المؤمن الروحيّة تصاعديَّة بالرغم من الفشل والعراقيل التي تعترضها.

الفكرة الرئيسة

لمسة الربِّ يسوع لمسة خالقة. تتدرَّج مع الإنسان، محترمة نموَّه، لتصل به إلى الكمال.

صلاة

طَلَبتَ يا ربُّ من الأعمى ألَّا يدخل القرية لأنَّه لن يستطيع أنْ يعبِّر عمَّا جرى معه. أعتقد يا ربُّ أنَّ حالتي تشبه حالتَه تمامًا. كلّ ما يمكنني أن أقوله: أنا أرى رحمتَك ومجدك.

خذ قرارًا لهذا اليوم