معلومات عن خطة القراءة‌

سفر الرؤياعينة

سفر الرؤيا

يوم 1 من إجمالي 30

اليوم 1: الخلفية التاريخية (الكاتب)


عندما ماتَ المسيح، ظنَّ كثيرون من تلاميذهِ والمُعجبينَ به أنه هُزمَ بشكلٍ نهائي. وذهب بعضُهم إلى الاعتقاد بأنَّ كلَّ تعاليمِه ومعجزاتِه كانت بلا فائدة. لكنْ، ما لم يفهمْهُ تلاميذُهُ حتى اليومِ الثالثِ، هو أنَّ موتَ المسيح لم يكنْ نهايةَ القصَّة. فقد أثبتَتْ قيامتُه أنَّ موتَه كان في الواقعِ انتصاراً، وأتاحتْ لتلاميذِه أنْ يفهموا خدمةَ المسيح، وآلامَه، وموتَه من منظورٍ جديدٍ تماماً. عندما كتبَ يوحنا سفر الرؤيا، كان قُرّاؤُه بحاجةٍ أيضاً إلى هذا المنظورِ الجَديد. فقد عانتِ الكنيسةُ الأولى من الاضطهادَ على يدِ الإمبراطوريةِ الرومانيةِ القوية. وبدأ العديدُ من المسيحيينَ أن يروا في هذا الاضطهادِ هزيمةً. أما يوحنا فقد شجَّعَ قرَّاءَه أنْ يَجِدوا الراحةَ والثقةَ في الانتصارِ الذي حقَّقَه المسيح بقيامتِه. كذلك أرادَهم أن يُدركوا أنه حتى وإنِ انْتهتْ حياتُهم بالاستشهادِ، فلن يكونَ ذلك ختامَ الأمرِ. ففي نهايةِ المطافِ، سيُتمّم المسيحُ ملكوتَه، وسيُشْرِكُ كلَّ المؤمنينَ الذين مرّوا بهذِه الحياةِ في انتصارِه.


فَتَنَ كتابُ الرؤيا منذ كتابِتِه المُؤمنينَ وغيرَ المؤمنينَ على السَواء. لكنّ المفسّرينَ اختلفوا حولَ مَعاني الرموزِ والُصوَرِ المَجازيَّةِ التي فيه، كالحَيواناتِ الغَريبة، والمعاركِ الكَوْنية، والضَرباتِ والدَينوناتِ، وَوَجدَ بعضُهم تلكَ الصُوَرَ مُحيِّرةً بِحيثُ فَقدَ كلَّ أَملٍ في فَهمِ هذا الكتاب. لكنَّ هذه الصُعوبةَ تعودُ إلى حدٍّ بعيدٍ إلى جَهلِهِم بخلفية الكتابِ التّاريخية. لذلك بِغرضِ فَهمِ كتاب الرُّؤيا وتطبيقِهِ بشكلٍ صحيح، لا بُدَّ لنا أن نتعلَّمَ شيئاً عن خلفيته التاريخية من جهة كاتب السفر.


نتناولُ كاتبَ كتاب الرؤيا من جهتَين: أولاً، إظهارُ أن الموقفَ التقليديَّ الذي ينسِبُ الكتاب إلى الرسولِ يوحنا موثوقٌ به. وثانياً، تفحُّصُ موقعِ يوحنا وظروفِه عندما كتبَ الكتاب. 


1) الرسول يوحنا:


عرَّفَ كاتبُ كتاب الرؤيا نفسَه بالاسمِ الشائعِ نسبيّاً "يوحنا". وذكرَ اسمَهُ في الرؤيا ١: ١،٤،٩؛ و٢٢: ٨. لكنه لم يعرِّفْ نفسَه بالتحديدِ بالرسولِ يوحنا، بل أشارَ إلى كونِه خَدَمَ المسيحَ بأمانة، وتأَلمَ من أجلِ مَلكوت ِالله. ويتَّضِحُ من خِلالِ الكتاب أنه نبيٌ. لكنَّ هذه التفاصيلَ العامةَ ليسَت كافيةً لتُبرهَنَ أنَّ الذي كتبَ كتاب الرُّؤيا هو الرسولُ يوحنا.


لكن مع ذلكَ، هناكَ على الأقلِّ سببانِ وجيهانِ يَدعمانِ الرأيَ التقليديَّ أنَّ الرسولَ يوحنا هو كاتبُ الكتاب: السببُ الأولُ، توجدُ شهاداتٌ باكرةٌ عديدةٌ تَدعمُ كونَ يوحنا هو الكاتبُ.


في فترةٍ مُبَكِّرةٍ، في القرنِ الثاني الميلادي، اعتبرَ بعضُ آباءِ الكنيسةِ أمثالَ يوستينوسَ الشهيدِ، وإيريناوسَ وأكليمندسَ الإسكندريِّ، أنَّ الرسولَ يوحنا هو كاتبُ كتاب الرؤيا. ويشيرُ يوستينوسُ إلى ذلكَ في مُؤَلَّفِهِ الحوارُ مع تريفو في الفصلِ ٨١. وشهادة ُيوستينوسَ مهمةٌ بصورةٍ خاصةٍ لأنه عاشَ في أَفَسُسَ في فترةٍ مُبَكِّرةٍ من القرنِ الثاني، وهو من الناس الذين عَرفوا يوحنا شَخْصِيّاً.


ويُشيرُ إيريناوسُ إلى يوحنا ككاتبِ كتاب الرؤيا في مُؤَلَّفِه "ضدُّ الهرطقاتِ" المُجَلَدِ ٤، الفصلِ ١٨ والجزءِ ١١. وشَهادتُه مفيدةٌ جدّاً بِسبب كونِ إيريناوسَ تلميذاً لبوليكاربوسَ الذي كان بدَورِه تلميذاً للرسولِ يوحنا. من هنا، كان إيريناوسُ في وضعٍ أفضلَ من سِواهُ من جهةِ معرفةِ أيِّ كتاباتٍ كَتبَها يوحنا بالفِعل.


أخيراً، يبدو أنَّ أكليمندسَ الإسكندريَّ سَلَّم بصحةِ الرأيِ القائلِ بأن يوحنا هو الكاتبُ في مُؤَلَّفِه "من هو الغنيُّ الذي يَخلُص؟" الجزءِ ٤٢.


سببٌ آخرٌ يدعمُ الرأيَ التقليديَّ بأن الرسولَ يوحنا هو كاتبُ كتاب الرؤيا هو مفرداتُ الكتاب. يوجد الكثيرُ من أوجُهِ التشابُهِ المميَّزةِ بين كتاب الرؤيا وكتاباتِ يوحنا الأُخرى. لكن اختِصاراً للوقتِ سأُشيرُ فقط إلى اثنين.


أولاً، الإشارةُ إلى المسيحِ بـأَنهُ "الكلمةُ"، أو "اللوغوسُ"، موجودةٌ فقطْ في العهدِ الجديدِ في الرؤيا ١٩: ١٣، وفي يوحنا ١: ١،١٤. وهناك لغةٌ مشابهةٌ في ١ يوحنا ١:١.


ثانياً، تصريحُ يسوعَ: "وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ"، في الرؤيا ٢٢: ١٧ لا يوازيهِ في العهدِ الجديدِ سوى يوحنا ٧: ٣٧. حيث نقرأ "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ".


2) الموقع والظروف:


بحَسبِ الرؤيا ١: ٩ كتبَ يوحنا كتابَ الرؤيا عندما كان في بَطْمُس، وهي جزيرةٌ صغيرةٌ في بحرِ إيجَة، على مسافةِ نَحْوِ أربعينَ ميلاً جَنُوبِيّ غَرْبِيّ أفَسُس. وبَطْمُس هي مكانٌ صخريٌ قاحل، شبهُ خالٍ من الأشجار. وبسببِ قساوةِ طبيعَتِها، باتَت بَطْمُس مَوْقِعاً مناسباً لمُعاقَبَةِ المشهورينَ الذين اعتُبِروا تهديداً لأمنِ الإمبراطوريةِ الرومانية. ويوجدُ في الرؤيا ١: ٩ إشارةٌ ضِمنيةٌ قويةٌ إلى كَونِ يوحنا قد نُفي إلى بَطْمُس.


وبينما كان يوحنا يُعاني من هذه الظروفِ القاسية، استلَمَ عِدةَ رؤًى من المسيح. وكتابُ الرؤيا هو سجلُّ يوحنا لتلكَ الرؤى وتفسيرُه لها. انظر إلى روايةِ يوحنا في الرؤيا ١: ١٠-١١:


كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتاً عَظِيماً كَصَوْتِ بُوقٍ قَائِلاً:"أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثَيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ.


هنا، وفي مقاطعَ أُخرى مِثلِ الرؤيا ٢١: ٥، أوضحَ يوحنا أنه كتبَ إطاعةً لأمرِ الله. كان اللهُ على وَشْكِ أن يُرِيَهُ رؤيا، وكانَ على يوحنا أن يًدوِّنَ تلكَ الرؤيا ويُرسلَها إلى الكنائسِ السبعِ في آسيا الصُغرى.


معرفةُ أن كتابَ الرؤيا نَتجَ عن رؤيا خارقةٍ أُعْطيَت إلى يوحنا، قادَ بعضَ المفسِّرين إلى التقليلِ من أهَميةِ يوحنا ككاتبٍ للكتاب. فإن كان الكتابُ مجردَ تَدوينٍ لرؤيا، فما أهميةُ هوية كاتبِه؟ وما هي المُساهمةُ التي يُمكنُ توقُعُها من يوحنا؟


ربما في الفصلَين 2 و3 في الرؤيا أعطى اللهُ يوحنا الكلماتِ الفِعليَةَ التي كان عليهِ أن يَكتبَها، وما بقيَ من كتابه كان رؤى. وقد كتبَ يوحنا، عُموماً، تلك الرؤى بكلماتِه الخاصة. من هذه الناحِية، كتابُ الرؤيا هو إلى حدٍ بعيد، مثلُ إنجيلِ يوحنا. ففي البداية، تابعَ يوحنا الأحداثَ في حياةِ يسوع، ثم دوّنَ لاحقاً تلكَ الأحداثَ في إنجيلِه ضِمنَ خِطةٍ تَهدفُ إلى سدِّ الحاجاتِ الخاصةِ عندَ قُرائِه. وبطريقةٍ مشابهةٍ إلى حدٍ بعيد، راقبَ يوحنا الرؤى التي دوَّنَها في كتابِ الرؤيا. ثم كتبَ كتابَه كسِجِلٍ حقيقيٍ لمُشاهداتِه. وكما سنرى في هذه الدروس، اختارَ يوحنا مادةَ كتاب الرؤيا ورتَّبها بحيثُ تُلَبي حاجةَ قرائِه الأولين.


سفر الرؤيا مُوحى به من الله، مثلُ بقيةِ أسفارِ الكتابِ المقدس. فالروحُ القُدُسُ أشرفَ على عملِ يوحنا بحيثُ أن كلَّ ما كتبَه صحيحٌ وموثوقٌ به. لكن، كما سنرى في هذه الدروسِ، استمرَّ يوحنا في القِيامِ بدورِه كَكاتبٍ نَشيطٍ ومُفكِر. وربما باستِثناءِ الإصحاحين 2 و3، لم يُملِ المسيحُ شيئاً على يوحنا. فقد كان يوحنا مسؤولاً عن تذكُّرِ الرؤيا، وفَهمِها، وتَقديمِها بِكلماتِه الخاصَة. 

عن هذه الخطة

سفر الرؤيا

 يمكن لسفر الرؤيا أن يكون ممتعاً ومربكاً في نفس الوقت. فهو ممتع لأنه يسجل  رؤى دراميّة عن دور المسيح والكنيسة في تاريخ العالم. لكنه أيضاً مربكاً  لأني الصور المجازيّة الخاصة به غريبة جداً عن القرّاء المعاصرين. ورغم  ذلك،...

More

نود أن نشكر خدمات الألفيّة الثالثة على تقديم هذه الخطة. لمزيد من المعلومات ، يرجى زيارة الموقع:  http://arabic.thirdmill.org

 

 

تستخدم YouVersion ملفات تعريف الإرتباط لتخصيص تجربتك. بإستخدامك لموقعنا الإلكتروني، فإنك تقبل إستخدامنا لملفات تعريف الإرتباط كما هو موضح في سياسة الخصوصية