كولوسي ‮مدخل‬

مدخل
تقع مدينة كولوسي في وادي نهر ليكوس، أي ما يعرف اليوم بغرب تركيا، وتحديدًا في المناطق الداخليّة التي تبتعد عن الساحل ومدينة أفاسوس وهي ليست بعيدة عن مدينة اللاذقية الواقعة في المنطقة نفسها. وبما أنّ مدينة كولوسي قد تعرّضت إلى زلزال مدمّر سنة 61 للميلاد، فمن المرجّح أنّ هذه الرسالة قد كُتبت قبل ذلك التاريخ من قبل الحواري بولس حوالي سنة 60 للميلاد أثناء فترة اعتقاله في منزله في روما. وهي موجّهة تحديدًا إلى المؤمنين في مدينة كولوسي.
وتشبه هذه الرسالة إلى حدّ كبير تلك الرسالة التي كتبها بولس إلى المؤمنين في مدينة أفاسوس. ومن المرجح أن بولس كتبها تزامنًا مع الفترة التي كتب فيها رسالته إلى فليمون، أمّا رسالة أفاسوس فأُرسلت إلى المنطقة نفسها، وحملها طيخي، الشّخص نفسه الذي حمل هذه الرّسالة. لذا، فمن الأفضل قراءة مداخل هذه الرّسائل: رسالة كولوسي، رسالة فليمون ورسالة أفاسوس معًا.
لم تبرز مدينة كولوسي الصّغيرة في الفترة الرّومانية، ولم تكن تمثّل مركزا حضاريا مهمّا مثل روما والإسكندريّة. وهناك دلائل تشير إلى وجود الدّيانة اليهوديّة في محيط مدينة كولوسي منذ القرن السّادس قبل الميلاد. ويبدو أنّ اليهود كانوا يقلّدون بطرق متعدّدة الممارسات الوثنيّة التي كانت تحيط بهم، الدّينيّة منها والثّقافيّة. وكانوا يمزجون أفكارا وثنيّة عديدة في معتقداتهم الدّينيّة. واتّخذ الوثنيّون بدورهم بعض ممارسات اليهود كجزء من شعائرهم الدّينيّة. وبما أنّ النّاس كانوا يخافون خوفًا شديدًا في هذه المنطقة من الجنّ والنّجوم والقدر واللّعنات والآلهة المتعدّدة، فقد حاولوا حماية أنفسهم باستدعاء الملائكة أو غيرها من الكائنات الغيبيّة الخيّرة لتساعدهم وتتوسّط لهم لدى الإله الأعظم الذي يتفوّق في قوّته على الآلهة كلّها حسب اعتقادهم. وكانوا يحملون التمائم والتعاويذ لحمايتهم، ويمارسون شعائر خرافيّة تتعلّق بالسّحر والقوّة بحثا عن الحماية أو طلبًا لمعرفة غيبيّة. وكان النّاس يمارسون أشكالاً مختلفة من الطّقوس والشّعائر بغية إدخال شخص ما في عضويّة جماعاتهم كطريقة لاستمالة الكائنات غير المرئيّة، وكثيرًا ما أضاف النّاس الصّيام والتزهّد والتّنسّك وغيرها من الممارسات إلى هذه الشّعائر الوثنيّة.
وأخطأ العديد من الوثنيّين حين اعتبروا أنّ الحركة الجديدة التي تنتمي إلى السيّد المسيح هي حركة تزهّد، ويعود هذا الاعتبار الخاطئ إلى موقف أتباعه (سلامه علينا) تجاه الخطيئة الجنسيّة والسُكْر، وما من شكّ أنهم رأوا الرّأي نفسه في ما يتعلّق بالدّيانة اليهوديّة. لذلك اتّخذوا الممارسات اليهوديّة نفسها كطريق للتزهّد والتنسّك.
أسّس زُهري، رفيق بولس، جماعة المؤمنين في مدينة كولوسي (1: 7، 4: 12)، ولحق ببولس عند اعتقاله في روما (انظر رسالة كولوسي 4: 12 وفليمون 23 وسيرة الحواريين 28: 16 – 31). وعندما كتب بولس هذه الرّسالة، كان زُهري قد عاد لتوِّه من وادي نهر ليكوس، وهكذا أخبر بولس بأحوال جماعات المؤمنين في المنطقة، ولئن حمل زُهري بعض الأنباء السّارّة عن هؤلاء المؤمنين، فقد حمل معه أيضا بعض الأخبار المتعلّقة بالمشاكل الكبيرة التي يتخبَّطون فيها. وانتشرت بعض التعاليم الخاطئة في كولوسي، وعالجها بولس في هذه الرّسالة. ومن الواضح أنّ بعض المؤمنين لا يزالون على ميلهم إلى الممارسات نفسها التي كانوا يتّبعونها قبل إيمانهم بالسّيّد المسيح (سلامُهُ علينا). فكانوا يدافعون مثلاً عن استدعائهم للملائكة بهدف حمايتهم أو للتوسّط بينهم وبين الله، ولهذه الأسباب ألحُّوا على المؤمنين بالانخراط في جماعات وثنيّة سرّيّة، لذلك كانوا يهملون تكريم سيّدنا عيسى، أو يقلّلون من مكانته معتقدين أنّه يحظى بالمكانة نفسها التي تحظى بها الملائكة، وتبعًا لذلك لا بدّ من استدعائه بالطّريقة نفسها التي تُستدعى بها الملائكة.
ورفض بولس بشدّة كلّ الذين يعلّمون هذه التّعاليم وكلّ ما يروّجون له، معتبرًا أنّهم ينقادون بوسوسة الشّياطين. إنّ المؤمنين في كولوسي باتّباعهم تعاليم هؤلاء الأشخاص المضللِّين، يعودون إلى الخضوع للكائنات الغيبيّة التي عايشوها عندما كانوا وثنيّين. ولكنّ بولس أخبر المؤمنين في رسالة كولوسي أنّ سيّدنا المسيح، بما أنّه كلمة الله الأزليّة، فقد وُجد قبل وجود هذه الكائنات الغيبيّة، ومن خلاله تمّ خلقها جميعًا. لذلك فإنّ سيّدنا عيسى (سلامه علينا) يتفوُّق عليها كلّها.
وحصل المؤمنون على نصيب في دار الخلد بسبب قيامة السّيّد المسيح، كما حصلوا على وسائل تمكّنهم من الوصول إلى الفيض الرّبّاني. فالسّلطة التي يتمتّع بها السّيّد المسيح تكفي لحماية المؤمنين من قوّة الكائنات الغيبيّة في حياتهم اليوميّة. وفي المستقبل سيضع السّيّد المسيح (سلامه علينا) حدًّا للصّراع القائم بين النّاس والشّياطين، وعندئذٍ سيعمّ السّلام في الأرض والسّماء.

المحددات الحالية:

كولوسي ‮مدخل‬: TMA

تمييز النص

شارك

نسخ

None

هل تريد حفظ أبرز أعمالك على جميع أجهزتك؟ قم بالتسجيل أو تسجيل الدخول

تستخدم YouVersion ملفات تعريف الإرتباط لتخصيص تجربتك. بإستخدامك لموقعنا الإلكتروني، فإنك تقبل إستخدامنا لملفات تعريف الإرتباط كما هو موضح في سياسة الخصوصية